تفرض ثورة المعلومات حاليا واقعا جديدا على السيادات الوطنية والقوميات من خلال جعلها العالم قرية كونية صغيرة، الأمر الذي جعل الدولة بشكلها الحديث تعاني من مشكلات تزيد عما عانته خلال القرنين الماضيين. فعالم اليوم يسير بسرعة نحو ما سماه أحد مهندسيه، (والتر ريستون)، الرئيس السابق لشركة (سيتي كورب)، بـ " انحطاط السيادة الوطنية " . ومع وجود كل أنواع تكنولوجيا الاتصالات في الإعلام الجماهيري وجمهوره الواسع، هناك أصوات قليلة محددة مسبقا وتحمل مؤهلات معينة تستطيع استخدام منبر الإعلام لتتحدث للجمهور الواسع، وهؤلاء كانوا في العادة يتحدثون عن الأمة وهوية الأمة بمصطلحات فردية. اليوم عدد الناس الذين يستطيعون المشاركة من خلال تكنولوجيا الاتصال الحديثة أكثر بكثير من الناس الذين كانوا يستطيعون المشاركة من خلال البث التقليدي أو الطباعة، وذلك لأن المهارات المطلوبة لمرسل الرسالة على الإنترنت لا تزيد كثيرا عن تلك المهارات التي يحتاجها مستقبل الرسالة. وهذا خلق على ما يبدو أزمة مفاجئة في تحديد المؤهلات التي تجعل الشخص مرسلا للرسالة وليس فقط متلقيا كما هو الحال في الإعلام التقليدي.
كما أن الزمن والمسافة يتأثران اليوم بانتشار تكنولوجيا الاتصالات في مختلف مجالات الحياة من الاقتصاد الدولي إلى التجارة الإقليمية، من التعليم إلى الترفيه، في كل من الثقافة الجماهيرية العامة والثقافة المتخصصة .
حيث انتقلت عملية تحديد الهوية الوطنية وتوجيه الدولة إلى الأثير في فترة نشوء الجيل الماضي والآن تنتقل هذه العملية إلى الإنترنت حيث يعاد تشكيل الهوية وتوجيه الدولة من خلال تكنولوجيا المعلومات الأكثر حداثة. بالنسبة للجيل السابق، كان التلفزيون والإعلام الجماهيري، الآن الإنترنت هو رمز تكنولوجيا الاتصال، ويتمثل الإنترنت في كونه شبكة عالمية للمعلومات ووسيلة اتصال فتنت الصحفيين والأكاديميين وبدؤوا يستخدموها لتوسيع مجموعاتهم المتخصصة. على الصعيد الاجتماعي، إن لم يكن التكنولوجي، الإنترنت جاء إلى الدول النامية ليصاحب البث الفضائي والهواتف الجوالة لتصبح جميعا قنوات مفتوحة للاتصال وأيضا للمشاركة في الساحات العامة التي خلقتها الوسائل الجديدة وتتمدد بشكل مستمر .